القائد المقادمة : خلاصة تجربة
بقلم د. محمد إبراهيم المدهون
لقد قام الشهيد القائد إبراهيم المقادمة أحسن قيام بأداء دور القائد في فلسطين الجريحة، فالتفّت الملايين من الناس حوله وآمنت بخطه واتبعت نهجه، واستشهد تطبيقاً لمبادئه. وجماهيره ما تزال تواصل طريقه في فلسطين الشهادة، وآمنت به الطلائع الواعية من ذوي البصائر وأصحاب العقيدة الإسلامية الراسخة، ولا عجب في ذلك، فقد كان عهده بهذا المعلم الشهيد بعيداً فلطالما تثقفوا في مدرسته وتدارسوا روائعه وتعلّموا منهج الإسلام العظيم على يديه.
قدّم القائد المقادمة في تجربته الطويلة منهاجاً عملياً في التعامل مع القضية وتحريكها باتجاه الهدف الإسلامي، ويمكن أن نستخلص أهم سمات هذا المنهاج بما يلي:
أولاً: إنّ الأمّة في فلسطين لم تعد بحاجة إلى المزيد من التوعية والمهام الفكرية، إنّما تحتاج إلى قائد يعيشها وتعيشه في علاقة حب متبادلة، فالقائد الذي يمنح الأمّة قلبه، يجدها سخيةً في منحه الولاء، تُعطي الروح والجسد بكل أريحية، وليس بعد هذا وفاء.
قلب القائد هو التعبير الواقعي عن مصداقية القيادة وجدارتها في رسم الطريق للأمّة والتفاعل بها ومعها. وقلبُ القائد هو شرط أول في القائد الميداني.
ثانياً: لقد استطاع القائد المقادمة أن يَفهم الأمّة، ولأنّه فهِمها بعمق ودقة فإنه تمكن من التأثير فيها، والأمّة تريد القائد الذي يفهمها... ويراها وتراه بلا حجاب أو ستار.. إنّها تريد قيادة ميدانية تتقدم الصفوف بشجاعة، وعند ذاك تبادر إلى فعل كل ما يراد منها، تحول إيماءته إلى موقف... وإشارته إلى فعل... ورأيه إلى تيار.
ثالثاً: إنّ الأمّة لم تعد بحاجة إلى المزيد من التوعية والتنضيج، بل هي واعية وناضجة بما فيه الكفاية، وهل هناك نضج ووعي أكثر من إرادة الثورة والتضحية، وقد أدرك القائد المقادمة هذه الحقيقة وعمل على أساسها، فقد كان (رحمه الله) يركز على ثقافة الثورة وليس ثورة الثقافة. كانا يريدان ثقافة الفعل لا الفعل الثقافي. وهذا ما يدعونا إلى تقييم دائم لجماهيرنا لمعرفة مستوى النضج والوعي على أسس موضوعية تقدر مستوى النضج، وتقدر نقاط التحول التاريخي في مسارات الأمّة وحركتها.
رابعاً: يخطئ من يظن بأنّ الإنسان الفلسطيني يتعب أو يرهقه طول السير، فهو يتجدد مع الأيام، يتمرد على الجراح والحزن، والأكثر من ذلك يستطيع أن يبدع القوة.. يجمع الأشلاء ليحولها إلى عملاق يتحدى.. يؤلف من دموع المحنة نشيداً متحدياً... ويحول الآهات صرخة ثورة. وهذا ما بينه القائد الشهيد في مسيرة عطائه، وجاء من بعده رواد مدرسته ليسيروا في هذا الاتجاه، ويحقق نجاحاً تاريخياً تشهد له أرض فلسطين بجماهيرها ونخيلها ومساجدها، ولا حاجة بعد ذلك لمزيد شهود.
خامساً: كان القائد المقادمة وكما يفهم من تجربته ومن بعض الأحاديث الخاصة ـ يؤمن بضرورة المبادرة القيادية عندما تكون مطابقة للحكم الشرعي، وأن العمل بالتكليف الشرعي هو ضمانة للمواصلة والاستمرار، وعدم الميل إلى تعقيد المشروع بالدراسات المستفيضة التي تقتله بحثاً ونقاشاً فإذا ما خرج إلى شمس الواقع خرج أرمدَ من كثرة ما أرهقه سهر النقاش. وهو في ذلك يؤمن بأهمية التحرك والفعل الجماهيري.
فالأمّة ليست موضوعاً للنقاش والتأمل، إنما هي قوة بحاجة إلى استثمار وتحريك باتجاه الهدف المطلوب، ولا يحرك هذه القوة قائد النظرية فحسب بل قائد النظرية والتطبيق.
وخلاصة القول أنّ القائد المقادمة كان ظاهرة في العمل الإسلامي ومدرسة في الموقف القيادي، كما كان القائد الشهيد المقادمة ظاهرة رائدة ولدت في عصرها لتحدث التغيير في مرتكزات المفاهيم السائدة، وأخالف كل الذين يقولون أنّه ولد في غير عصره. لقد صنع المقادمة العصر الذي يريد، وإذا بالشعب في فلسطين يفتح عينيه ليجد رافداً جديداً من العمل الرائد الأنمودج.
تعليقات الفيسبوك