الجهاد ماضٍ... ولن نعطي الدنية في ديننا
بقلم الشهيد: أ.د نزار عبد القادر ريان العسقلاني
طِبْتَ حيًا وميتًا سيدي رسول الله؛ واللهُ يشرع لك الجهاد في سبيله، ويجعله من دينه ذروة السنام، ويحبه، ويحب المجاهدين؛ الذين يقاتلون في سبيله صفًا؛ كأنهم بنيان مرصوص، يصنعون للأمة فجرها، ويشيدون لها مجدها.
طبت حيًا وميتًا يا رسول الله؛ وأنت تعلمنا الجهادَ في سبيل الله، فتغزو، وتتمنى ألا تتخلف خِلافَ سَرِيَّةٍ قط؛ وتسأل الله أن تقتل في سبيله، ثم تُحيا، ثم تقتل، ثم تُحيا، ثم تقتل؛ فتورثنا العِزَّةَ صهوةً وسراجًا، ومحجنًا ورِكابًا، فتدوس سنابكُ خيلنا عروشَ الظالمين شعوبَهم، القاهرين أممَهم، وتزيلهم، فَيَعَزُّ بالجهادِ قومٌ طالما قُهروا، ويرغم أنف الجاهليةِ الأولى، فَيُدَكُّ عرشَها الفاني، ويهدم إرثها الماضي، فَكُنَّا رايةَ الحَقِّ خفاقة بنودُها السامقات، تمضي في سبيل الله وحده، لا تعرف غير هذا السبيل نهجًا أو طريقًا، فمضينا نحن المسلمينَ، كما الدوحة الدانية الثمار والأُكُل، تمتَدُ ظلالنا الوارفاتُ تحت سيوفنا المشرعة، تهتك زندقة الأنظمة الأولى، وتجعل كسرى كِسَرًا، وتنزل قيصرَ قَسْرًا.
ومضينا نحن المسلمين، تعيش الشعوب معنا آمنةً مطمئنة، لا تعرف العبودية، بعد هِيْمٍ طال، ضاعت فيه أمم، وتاهت فيه أجيال، بعد أن ولدتهم أمهاتهم أحرارًا، نخرجهم من عبادة العباد، إلى عبادة رب العباد.
كذلك كُنَّا، قادةَ الأرضِ وسادَتها، تمطرُ حيثُ شاءتْ، ويأتي خراجُها بعد حين، ليرتد في الفقراء والبؤساء والمستضعفين، فالضعيف بدولتنا القوي، والقوي بعظمة الله قُوَّتُه، لا يبطش ولا يظلم ولا يعتدي.
ثمَّ دار الزمانُ دورتَه، ودَالَتِ الأيام بين الناس، فإذا بزهرةِ الدنيا تأكلُ القلوبَ والأفئدةَ، وإذ بالسيفِ يذبلُ في المعاصم القابضة، واستَبَدَّ بالناسِ اتِّبَاعُ أذنابِ البقر، فتداعى الأَكَلَةُ إلى قصعتنا، على حين غفلة منا، من كل حَدَبٍ يَنْسِلُون، يحملون الكفرَ والزندقةَ؛ بضاعةَ الجاهليةِ الأولى، فانحنى للجاهلية القادمة مع السيوف والدماء إلى المكاحل والركب ناس، وحمل السيف على تخوف آخرون، فكان لنا صلاح الدين الأيوبي، يصنع فجر الأمة من مداد العلماء ودمائهم، مجاهدين يركبون ثَبَجَ البحرِ الأخضرِ كالملوك على الأسِرَّةِ، فطهرنا بلادنا، ورفعنا في المسجد الأقصى نداء التكبير، بعد قرن من التدنيس والتضليل، وإقامة الصلبان مكان المحاريب والتأذين.
ثم دار الزمان دورته، وجاء الصليبيون الجدد، كالحُمُرِ المستَنْفَرَة، يخرجها التعصب والطمع، فانبهر الناس بالعلمانية القادمة من وراء البحار البعيدة، وكادت تكون في الناس ردة، وكنا نحن الإسلاميين الإبلَ الرواحلَ؛ نمنع الردة أنْ تكون، بنهج دعوتنا الربانية، نسعف ونغيث، ونبني ونعلم، ونعيد الثقة إلى القلوب المرتجفة، ونقبض على الكفوف بيعة صدق ووفاء، تجمع قطرات الندى، أول مَدَقٍّ في سبيل الفجر اللاحب.
نحن الإسلاميين، حملنا راية الدعوة الربانية، يوم كان الناس مبهورين بالغرب الصليبي وحضارته، فسرنا بدعوتنا في كل باب خير، فإذا بمعاركنا في القناة، تذيق الإنجليز الموت ألوانا، ما بين تفجير وتدمير وتتبير، حتى زال الاحتلال لمصر العربية المسلمة.
ونادتنا فلسطين؛ نادتنا والناس سكرى، والحكومات مشغولة بسفاسف تقاسم الوزارات، والأحزاب أطلالُ كَرْبٍ، وركامُ خصومات، نادتنا فلسطين، فلبينا النداء، تتسابق قلوبنا نحو بئر السبع، والنقب، وصور باهر ودير البلح، في معركة كفار داروم، وخزاعة، والفالوجا ودير سنيد، والتبة86، والعسلوج، وغيرها من معاركنا الكريمة، نقيم الخنادق، نزرعها بالذاكرين الله كثيرًا، والركع السجود، أساتذتنا في الدعوة والجامعات قادتنا في الميادين والاقتحام والشهادة.
نادتنا فلسطين، فزرعناها بالزنبق والياسمين، يقود" الشيخ محمد فرغلي" ابن مصر، المجاهدين المصريين؛ من أبناء الإخوان المسلمين، فكانت العملية الاستشهادية الأولى للبطل المجاهد" الشهيد عمر عثمان بلال المصري" من ثغر الإسكندرية، تتناثر أشلاؤه على أسلاك مغتصبة كفار دارووم[1]، وندفن يومها سبعين شهيدًا من الإخوان المسلمين المصريين.
كذلك كانت مصر، وكذلك كان دورها، أن تزرع الشهداء المصريين بجوار شهداء فلسطين؛ نخلاً سامقًا، وكذلك يرتجى الدور لها الآن، فما في الدين مصري وشامي، فمصر العروبة والإسلام، أكبر من أن يختزل دورها في ترتيبات أمنية، وتدريبات شرطية، وحراسات للحدود بين أشقاء الروح والنفس الواحدة، مصر الكبيرة أكبر، مصر العظيمة أعظم، من أن تكون كذلك.
فببئر السبع قبور الشهداء والمجاهدين من مصر، يرقدون بها منذ عقود، يودون لو أن يسمعوا التكبير باللسان المصري، يتعشقون أن يسمعوا ضرب الرصاص اليعربي، لو أنه يكون.
كنا نحن الإسلاميين المجاهدينَ يوم كان الناس، كل الناس إلا نحن حائرين، ورثنا الرمح والقنا كابرًا عن كابر، مضينا بها صعبة المراس، شديدة العناد، فكنا وكانت حتى جاءت على موعد مع النصر والتمكن" حركة المقاومة الإسلامية حماس" فتناوشتها مخالب الأفاعي، وتداعت عليها بساطير الأجهزة الأمنية، تدق في الثلث الأخير ليلا بيوت جندها الميامين.
جاءت حماس، ابنة الإخوان المسلمين، فشتمها الشاتمون، ونعتها الظالمون بكل نعت، وحاول المجرمون استئصال شجرتها، ولكنها قدر الله، الغيث الآتي والميلاد المنتظر، تمتد في كل الأقطار أغصانها، تبعث الهمة في النفوس العالية، تمضي قدرًا غلابًا، في كل البقاع، فأبشروا وأَمِّلُوا الذي يسركم، فإنما هي همتكم الرائدة، ووقفتكم الماجدة، لحراسة حرابكم، من أن تتغول عليها أيدي الظالمين.
فهل يعقل بعد أن ذاق المجاهدون حلاوة الرباط ليلاً في الثغور الحالمات، أن يضعوا البنادق، بينما هربيا وبربرة، ونعليا والجورة، والخصاص والمجدل، وحمامة واسدود، ويبنا ويافا، تُدَنِّسُ طهرهَا زواني اليهود، المجلوبين من كل بقاع الأرض وألوانها القاتمة، إنه الجهاد، حتى تذهب أخر كلمة عبرية يتراطن بها المغتصبون في بلادنا.
أرأيت الأسد كيف يُصْبَرُ في الحديقة حتى يصير أرنبًا، يهز ذيله ويقعي بين يدي الأكلة يُطْعَمُها؟
أرأيت المجاهد كيف يُحْتال عليه بالمنى حتى تُصْطاد بندقيته، ثم يحشر في الزنزانة للآهات والعذابات الطوال؟
أرأيت نفسك وأنت تسأل الجلاد أن يفتح الطاقة لحظة، أتذكر وأنت تصنع ابتسامة لوجهه المكفهر، وتقول له: يا أستاذ؟
أتذكر وأنت ترجوه أن يمنحك المصحف الذي صادره من جيبك ساعة اغتصب حريتك؟
أتذكر؛ وأنت تسأله أين القِبْلَة؟ فيهزأ منك ومن القِبْلَة ومن الدين والإيمان والوطن وفلسطين.
أتذكر لحيتك؛ كيف تفلوا بها، وكيف حلقوها بالأحذية كما قالوا؟
بل أتذكر كيف عبثوا بملابس زوجتك في الدولاب، وكيف نظروا لوجهها الحَيِيِّ الطهور؟
إياك إياك! وإن ساوروك على الذي ينبض بين الضلوع.
إياك إياك! أن تبدي السمع والطاعة في وضع البنادق ساعة.
فبالبنادق والخنادق والمسالح تكون الحياة( ويخوفونك بالذين من دونه) وما نزعت البندقية من أحد وعاش بعدها كريمًا، فالتاريخ ورسومه الدارسات، وأطلاله وأعقابه اليابسات، والزنازين والحواشر التي عرفت في السنوات السابقات، تعظك أن تضع البندقية لحظة، فعانقها، وعاهدها أن تبقى معها إلى أن تموت.
[1] يستعد المغتصبون للرحيل عنها الآن بإذن الله تحت طرقات تلامذة الشهيد عمر عثمان رحمه الله.
تعليقات الفيسبوك