الوعي السياسي

صناع الفرح .. عن الجيل الجديد في الضفة الغربية

 عبد الله يوسف*

 

الفرح الفلسطيني له نكهة خاصة به، إنّه مختلف تماماً عن أي فرح ..

يوم كنت في المرحلة الإعدادية، وأنا خارج من باب المدرسة حدثت عملية استشهادية من صنع المهندس يحيى عياش، فما أن سمعت بالخبر لتوّه خرجت مسرعاً أركض نحو البيت لأفتح التلفاز وأشاهد العملية!

مشهد يعيشه كل فلسطيني عند حدوث أي عملٍ بطولي على صعيد جغرافية فلسطين من بحرها إلى نهرها، إذ يتسابق الناس إلى وسائل التواصل لمعرفة تفاصيل العملية، كم عدد القتلى، ما هو اسم الشهيد، من أي بلدة، ما هي ردة فعل العدو المتوقعة.

ليس الأمر متعلق بعملية بطولية حدثت في قلب عاصمة العدو المزعومة، إنما الأمر أكبر من ذلك بكثير، إنه تأكيد على أن شعبنا الفلسطيني ما زال ينبض بالحياة ما دام باستطاعته أن يقلع سقف الباص، وأنه متربع على سُلّم المجد ما دام بمقدوره أن يطعن جندياً، وأنه على الجادة ما دام  يدعس مستوطناً، أو يطلق ناراً على سيارة معادية من مسافة صفر.

لا يستطيع غير الفلسطيني أن يتصور كمية الفرح التي تنتجها العمليات البطولية في قلوبنا، إنها تدفع بهرمون الأدرينالين إلى أعلى مستوياته، وتزيد من ثقة الشعب بنفسه أنه قادر على إحداث فرق في المعادلة، وأنه على قدر المواجهة مع العدو، وأن كفنا باستطاعته مقاومة مخرزه.

وليس بمقدوره -كذلك- أن يخفي فرحته وابتهاجه بأي عملية بطولية، فما أن تحدث عملية حتى يتناقل الناس خبرها كالبرق كأنهم رزقوا بكنوز كسرى وقيصر!، إذ يخرج الناس إلى الميادين والشوارع يهتفون لفلسطين، يعبرون عن فرحتهم وابتهاجهم بالعملية، يوزعون الحلوى، ويعانقون بعضهم، وترفع مكبرات المساجد تكبيراتها وتهليلاتها فرحاً وحمداً وشكراً لله على هذا الإنجاز.

 لا يدرك هذا الجيل الضفّاوي العشريني ما يصنع في قلوبنا من فرحٍ وابتهاج لِما يصنع، إنه يعيد لنا مجد انتفاضة الأقصى الثانية التي أذاقت العدو ويلات تفجير الباصات، والمواقف، والحانات، واليوم يضيف بصمته الخاصة بعمليات إطلاق النار في شوارع مدنهم الآمنة ومن مسافة صفر الغزية.

لقد وجّه هذا الجيل من الشباب صفعةً على وجه أزلام مشروع أوسلو، وأذناب دايتون في الضفة الغربية الذين بذلوا جهوداً كبيرة، وأنفقوا أموالاً طائلة في سبيل تدجينه، وتخنيثه، وتحويله إلى حجل وديع ليس له ارتباط بدينه وأرضه ووطنه، إذا ضُرِب على خده الأيسر ناولك خده الأيمن!.

فإن سلطة أوسلو ومن خلفها بعض الدول الغربية والأوروبية قد عملت كل ما بمقدورها في سبيل فصل أهل الضفة الغربية وشبابها عن عمقها الفلسطيني، وعن تمسكهم بخيار الجهاد والمقاومة بعد عملية (السور الواقي) التي أطلقها العدو في العام 2002م لوأد انتفاضة الأقصى الثانية في الضفة الغربية.

لقد حاولوا تدجين هذا الجيل ومسخه من خلال (كازينو أريحا)، ومن خلال الأنشطة والمشاريع الشبابية المشتركة بين شباب الضفة و(الشبيبة اليهودية)، ومن خلال الترويج (لاتفاقية سيداو)، وخنق العمل الطلابي في جامعات الضفة، ومنع الكتلة الإسلامية من ممارسة عملها بحرية، وكذلك الاعتقالات السياسية المستمرة حتى اليوم لكثير من شباب ورجال الحركة الإسلامية هناك.

لكن هيهات هيهات، فلقد انقلب السحر على الساحر، ولم تستطع السلطة هزيمة هذا الجيل الضفاوي الأشمّ الأصيل، هذا الجيل الذي شبّ عن الطوق لما رأى من كمية العجز والخوف والوجل من العدو، ولِما رأى من القهر والحرمان والذل والمضايقات وساعات الانتظار على الحواجز بين المدن والقرى.

لقد رأى هذا الجيل الضفّاوي انتصارات شباب غزة، وما حققوه من ذل لجنود العدو على حدودها وتخومها، وكيف أرغموه في كل جولة قتال على الانسحاب مذعوراً من قتلٍ أو أسرٍ أو إعاقة، فقد كانت مشاهد العزة في غزة أكبر شحن معنوي لهذا الجيل، ولا زال اسم قائدها العسكري            (محمد الضيف) يلعلع في كل مظاهرة فرح بعد كل عملية بطولية.

 

فسلام على أرواح أقمار الجيل الضفاوي الجديد الذين أنار طريق التحرير بدمه الطاهر الزكي، وسلامٌ على الشهداء الذين أدخلوا الفرح إلى قلوبنا، سلامٌ على من أعاد لنا زمن العيّاش ومفاجآته ..

سلامٌ على معتز الخواجا، معتصم الصباغ، مهند الحلبي، رعد خازم، عمر أبو ليلى، عدي التميمي، خيري علقم، إبراهيم النابلسي، فادي أبو شخيدم، وقافلة طويلة من شهداء الجيل الضفّاوي الجديد.

وسلامٌ على كل أسدٍ ينتهز الفرصة لينقضّ على فريسته، وسلامٌ على كل من يحاول أن يقتني سكيناً .. بلطةً .. ساطورة .. مسدساً، وإمسكستين، وكارلوا قديم!

سلامٌ لكم أهلنا في الضفة، وعلى موعد قريب يوم تلتحم الصفوف من كل ساحات الوجود الفلسطيني.

 

 

رئيس مؤسسة عبير الوعي – قطاع غزة

 

تعليقات الفيسبوك

كن معنا في نشر الوعي

"وتتعمّد منهجيتنا التربوية تربية صفوة كبيرة الحجم من الدعاة تتكون منها قاعدة صلبة للعمل الدعوي وتحمل أثقاله، وتصبر على طول الطريق، وتتكون منها الطبقة القيادية، ثم نحاول صناعة طبقة واسعة من الموالين للدعوة". 11

كن معنا