الوعي القيادي

مستبدٌ أنا ..!

عبد الله يوسف*

"هي دعوة لقتل الاستبداد في ذواتنا؛ لتذوق نفوسنا طعم الحرية ثم لتعلنها ثورة شاملة على المستبدّ الأكبر"..

مستبدٌّ أنا حين تكون عادتي الكلام كثيراً، وغيري يسمع ...! حين أكتب وغيري يقرأ، حين أضع الخطط وغيري يُنفّذ..

حين أرفع صوتي لأُخمِد صوت الآخرين، حين أمنع نشر كل ما يعارضني فكراً وتوجهاً، وحين أشارك في منع إطلاق صحيفة أو نشرة لمن يخالفني في وجهات نظري ..! حين أصُدّه عندما يعظ الناس في مسجدي...!

مستبدٌ أنا حين أستبدّ برأيي، فلا أشاور رفقة العمل، ولا أُقلّب الآراء، ولا أُعمل آية الشورى في حياتي، ولا أحسب حساباً لنفرٍ يعملون معي!

... حين أُطلق لنفسي العنان دون أن أسمح لرقيبٍ ينصحني.. ومستبدٌ أنا حين أكون أميراً مكروهاً..

ومستبدٌ كذلك حين أستخدم الدين لمآرب شخصية، وتأويلات غير شرعية! حين أجيزُ للحاكم أفعاله بفتاوى حسب مقاسه، فدهرٌ التطبيع مع العدو الصهيوني حرام وفي ليلةٍ وضحاها يصبح العدو صديقاً والصديق عدواً بفتوى جاهزة في درج المفتي! ومستبدٌ أنا حين أفتي بحرمة الخروج عن الحاكم لو ظلَم وفسق ..!

.. وظالم حين أمنع أخواتي ميراث أبيهن..

أنا مستبدّ يوم أن أقف في وجه العلم ونشره وترويجه، بل أنا مستبدٌ ظالم يوم لا أطالبُ بالتعليم المجاني المُيسّر لكل الناس، سهلاً لكل طالب.. مستبدٌ أنا حين أمنع أخواتي وبناتي من العلم والصعود في درجاته العلا.

ومستبدٌ أنا حين أرضى أن يكون رئيس جامعتي أهوج وخَطِل، وحين يكون مُعلّم المدرسة لا خبرة لديه ولا تربية.. وحين تخلو مناهجنا من العزة والإباء والاستعلاء، وظالمون نحن حين تخلو مناهج تعليم أجيالنا أن فلسطين أوقفها عمر، وأن الصهيونية عدو، وأن الاستبداد أُسّ الأمراض وأمّها...!

... حين يكون في الفصل الدراسي خمسين طالباً ويزيد!، ومساحات خضراء صفرٌ مربع، وطعامٌ لا نعرف أصله، ومقاعد دراسية ربما استخدمها هتلر!

ومستبدٌ أيضاً وخارج عن الإنسانية حين أسمح لمستبدّي الأكبر باعتقال العلماء والمصلحين وقادة العمل الخيري، حملة المشاعل في زمن اليأس، أصحاب الآراء الحُرّة، الذين يأمرون بالمعروف السياسي، وينكرون المنكر الأخلاقي والاجتماعي، يقفون في وجه كل مؤامرة يُراد لها أن تُخرج الأمة من ثوب دينها وأخلاقها وقِيمها.

ومستبدٌ أنا حين أرى الأحرار يُعلقون على أعواد المشانق، أو يُصفواْ بدمٍ بارد في أقبية السجون والزنازين .. مستبدٌ أنا إن لم أقف وِقفة عزٍ وشموخٍ وسلاح في وجه من أعدم من هم بعد رتبة الأنبياء!

... حين أطفئ جذوة التغيير في قلوب الشباب، ورغبتهم في طي صفحات الاستبداد، ورفض الظلم والضيم، ومستبدٌ حين أقف متفرجاً على الشباب وهم يقودون عجلة التغيير يجوبون الشوارع بالهتافات والتكبير، ويعاندون ويراغمون المستبدّ الأكبر.

... حين أبحثُ عن مجدٍ زائف عند مستبدٍ أكبر، ينهب ثروات الأمة، ويُسخّرها لرغباته وشهواته، فأقتاتُ على فتاتٍ يرميه لي كأني كلبُ صيدٍ أو حملٍ وديع .. فأصنع تمجُدّي من تلبية رغبات مستبدّي وتلميعه، والتسبيح بحمده آناء الليل وأطراف النهار!

مستبدٌ أنا حين أترك الحاكم يجمع ماله ويراكم ثروته من قوت أمتنا، فتنتفخ أوداجه، ويكبر كرشه، ويفرش الطرق بالأحمر، ولا يعرف كيف تُصرف الأموال من كثرتها! مستبدٌ أنا إن تركته هكذا يلعب بأموال أمتنا دون أن ألُف حبل المشنقة حول رقبته.

أقول: هل قرأ شباب التغيير في العالم العربي طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد لعبد الرحمن الكواكبي قبل أن ينزلوا إلى ساحات الثورات وميادين الربيع العربي؟ بل هل هم ممّن اعتكف على كتب المفكرين صباح مساء ليدرسوا طبائع المستبدّين، وطرقهم وأساليبهم الدنيئة في ليّ أعناق الشعوب، وسرقة أقواتهم، ومصادرة آرائهم وعقولهم؟

والسؤال هنا: هل يحتاج الشباب قراءة الأدبيات التي تكشف زيف الاستبداد وتفضح طرقه وأدواته ووسائله حتى يُشعل ثورة تخلع المستبدّ من جذوره، وتُحدث التغيير المأمول؟!

أقول: إن الشباب لم يقرأوا عن الاستبداد، ولم يُقلّبوا كتب المفكرين، وأوراق السياسيين، ولم يشكّلوا أحزاباً ومؤسسات، ولم يخوضوا معامع الانتخابات، لكنهم رأوا الاستبداد بأمّ عيونهم في عربات الترحيلات، وفي مسالخ الزنازين، وفي شبح الأحرار في سجون الظالمين الأرضية.. في الإعدامات والمحاكم العسكرية، في الانقلابات المُوافق عليها عالمياً..

لقد رأوا الاستبداد بعينه في انقلاب العسكر على رئيسٍ مدني منتخب، ثم يُخطف، ثم يُغتال في أقبية السجون الظالمة..

لم يقرأ عن الاستبداد، لكنه عاشه يوماً بيوم، وساعةً بساعة، ولحظةً بلحظة.. يوم أن قتلوا إخوانه، وأحبابه في الشوارع والساحات والمساجد، يوم أن انقلبوا على نتائج الانتخابات على مدار عقودٍ مضت، فاعتقلوا الفائزين، وأعدموا المفكرين منهم، وفصلوا الموظفين من وظائفهم، وطاردوهم في كل بقاع الأرض ..

نعم .. لم يقرأ بوعزيزي عن الاستبداد، بل مورِس عليه يوم أن لطمته أَمَةُ الاستبداد فأحرق نفسه ليوقد شعلة التغيير في ربيعٍ عربي لما يكتمل فصوله بعد ..

لم يقرأ الشباب عن الاستبداد، ولم يعرف نظريات التغيير، لكن لا بد له أن يقرأ، ويعرف، ويسبر غور الاستبداد، ويضع خطته للنيل منه، ولاجتثاثه من أصله، ويضع كذلك خطة التّرقي والعمران والتمكين حتى لا ينقض عليها فلول الدولة العميقة!.

لم يقرأ، لكن بين القراءة والثورة فصولٌ وفصول لا يكتبها إلا الأحرار ..

 

رئيس مؤسسة عبير الوعي – قطاع غزة

 

تعليقات الفيسبوك

كن معنا في نشر الوعي

"وتتعمّد منهجيتنا التربوية تربية صفوة كبيرة الحجم من الدعاة تتكون منها قاعدة صلبة للعمل الدعوي وتحمل أثقاله، وتصبر على طول الطريق، وتتكون منها الطبقة القيادية، ثم نحاول صناعة طبقة واسعة من الموالين للدعوة". 11

كن معنا