أعظم صلاة في التاريخ
عبد الله يوسف*
صلّى النبي عليه الصلاة والسلام إماماً بالأنبياء ليلة معراجه إلى السماء، فكانت أعظم صلاة في التاريخ، صلاةٌ كان إمامها النبي الخاتم، والرحمة المهداة، والقدوة الأمين، وخلفه جمعٌ من الأنبياء والمرسلين، صلاةُ احتفاءٍ بهذا المعراج النبوي، وصعوده الشريف لرب البرية، ودخوله على خالق السماء ومن فيها، والأرض ومن دبّ عليها، إنها صلاة احتفال، وإعلان ولاء، وتسليم راية، واعتراف بالقرب للنبي صلى الله عليه وسلم.
ما أشبه هذه الصلاة الأزلية المشهودة من الله، وملائكته، ورسله.. ما أشبهها بصلاةٍ عظيمة ننتظرها، ونتلهف شوقاً إليها، ونترقب تكبيرها وقيامها، ونَحِنُّ لركوعها وسجودها، ونتهيأ لسلامها وخطبتها، وجموعها المؤمنة..
نترقب خُطبتها الجامعة المانعة، التي ستحمد الله وتشكره، وتثني عليه، وتُصلّي على رسوله الأكرم ، ثم تترحمُ على آلاف أرواح الشهداء الذين قضوا نحبهم في سبيل ربهم، وتسأل الله أن يشفي جراح آلاف المكلومين الذين كانت أشلاؤهم ودماؤهم نبراساً أضاء الطريق لغيرهم نحو شهودها..
فيا تُرى من هذا الخطيبُ الذي سيُشرّفه الله بأن يخطب خطبة الفتح المبين، والنصر المؤزر، من ذا الذي ستحمله قدماه في هذا الموقف الرهيب المُفعم بحمد الله، وفضله، وتواضع عباده المنتصرين المخبتين له، ماذا عساهُ أن يقول في هذا اليوم المشهود؟، وكيف ستنحني له الكلمات والمفردات وتطيعه في هذا الموقف العظيم، وكيف سيكون حال الرجال والنساء الذين يصطفون في صفوفٍ متساوية لشهود صلاة الفتح التي انتظروها مع آبائهم وأجدادهم عشرات السنين، فما أجمله من مشهد، وما أجلّها من لحظات.
مشهدٌ وموقفٌ سيبكي فيها الرجالُ فرحاً، ويعانق فيه الناس بعضهم، ويحملون الصغار على الأكتاف، وتلقي فيه النساء الورود، وتعزف الأناشيد والهتافات، وتخرج السيارات والمركبات في مواكب مهيبة، ترفع الرايات، وتعلي الزغاريد، وتوزع الحلوى، وتعلن الحُبّ والانتماء لدين الإسراء والمعراج، ولدعوة النبي الخالدة.
صلاةً نترقبُ فيها جموع العرب والمسلمين من كل مكان، من الجزائر والسودان، من سوريا ولبنان، من الكتائب المقاتلة القادمة من سوريا مصطفى السباعي، ومن مصر أحمد عبد العزيز، ومحمد فرغلي، ومن العراق محمد محمود الصواف، ومن الأردن بلد من قاد كتائب الإخوان المسلمين في حرب فلسطين عام 48م القائد كامل الشريف..
صلاةً نترقب قيامها حين: نقف صفوفاً في جيش وعد الآخرة نقاتل عدونا، ونتذكر نبينا r حين صفّ جيشه الأول في بدر، استعداداً لها، ومفاجئةً لعدوه بتكتيكها، وتغييراً لأصول لعبة الحرب وقتها .. صلاةً نترقب قيامها حين نرفع رايتنا، ونشحذ همتنا، ونطيع أمر قيادة الوعد!
صلاةً نترقب تكبيرها حين: تصدح أصواتنا بالتكبير في ساحات النزال، وفوق مآذن مساجدنا المُحررة، ومسارح القتال، وحين يصعد مقاتلونا على ظهور دبابات العدو وآلياته، وحين تعلو أقدام مجاهدينا رؤوس عدونا، وحين يلتقي الأصحابُ والخلان والأقرباء بعد غربةٍ قسرية، وحين يصعد شبلٌ فلسطيني مسلم لرفع راية التوحيد فوق مآذنه وقبابه ..
صلاةً نترقب سجودها حين: نكون عباداً مخبتين لله تعالى، أوّابين له، تائبين عائدين له، حين تطأ أقدامنا أرضها الشريفة المباركة، سجدةً نعلو بها على نفوسنا المغرورة، وذواتنا المخطئة العاصية، حين نفتح أبوابها، ومساجدها، وكنائسها .. حين نسجد لله ونتبرأ من كل ما سواه!
صلاةً نترقبُ سلامها حين: نُضمّد جراح أهالينا، ونقتحم باستيلات العدو الظالمة ونُخرجُ منها أبطالنا عنوةً وقوةً وتحريراً .. حين تلُقي النساء الورود والرياحين على صفوف المُحررين، وطاردي العدوّ الغاشم، وحين نرفع القبعات لهذا الجيش المحمّدي الأغّر!.
صلاةً نترقب دمعها حين: منَّ الله علينا أن كنا من جند هذا الوعد، ومن عباده أولي البأس الشديد، وأنه اصطفانا إلى هذه اللحظة التاريخية العظيمة، وإلى هذا الشهود الإيماني العظيم، إنها حقاً تحتاج منّا أن ندعوه صباح مساء ألا يحرمنا منها، ومن هذا الجهاد، ومن هذا الوعد!.
صلاةً ندعو فيها: للإمام الشهيد حسن البنا الذي قاتل لوحده مع إخوانه المسلمين يوم أن تواطئت أمة الإسلام على مسرى نبيها، ودفع حياته ثمناً لمواقفه منها، ولإمام مسجد الاستقلال الشهيد عز الدين القسام الذي شكلّ تنظيم القسّاميين، ونفخ في الناس روح القتال، ورفع شعار "إنه لجهادٌ.. نصرٌ أو استشهاد"، وحمل بندقيته حتى لقى الله شهيداً، ولمؤسس النبتة المباركة الشيخ أحمد ياسين، الشهيد القعيد الذي أقام الحُجة على الأصحاء، وغرس غرساً عظيماً، فبارك الله هذا الغرس، وجعله عذابه على بني إسرائيل، حتى بات سيف الله المُسلّط على رقابهم، ولقادة الجهاد وأهل الإبداع فيه: عبد الله عزام، عماد عقل، عبد العزيز الرنتيسي، إبراهيم المقادمة، جمال منصور، جمال سليم، سعيد صيام، يحيى عياش، ونزار ريان، .. وقائمة طويلة من قافلة عظيمة كان لها شرف إضافة لبنة من لبنات هذا اليوم!
يا أيتها الصلاة المُنتظرة: نشتاق لك شوقاً فَتّت أكبادنا، وأَتلفَ أجسادنا، وبَترَ أطرافنا، وأفقأَ عيوننا، وهَدَمَ فوق رؤوسنا بيوتنا، وقضى خلف القضبان زهرة شبابهم أسرانا .. نشتاق لك – أيتها الصلاة المنتظرة -، ونتيهُ حباً فيك وفي يومك المشهود.. فآلاف الشهداء مضواْ شوقاً لهذا اليوم، وحَبَس الناسُ أنفاسهم، وقدّموا فلذات أكبادهم شهداء على طريق الشوق لهذا اليوم ..
إنّه يومٌ من أيّام الله ..
يوم شهود صلاة الفاتحين في المسجد الأقصى المبارك ..
فما أعظمك يا هذا اليوم، وما أجملك، وما أكبرك عند الله ..
* رئيس مؤسسة عبير الوعي – قطاع غزة
تعليقات الفيسبوك