نحو تطوير خطابنا الإسلامي
م. أحمد أبو العمرين
نعيشُ اليوم القرنَ الحادي والعشرين، قرن التقدم التكنولوجي وثورة الاتصالات والمعلومات والفضاء المفتوح والإعلام اللا محدود وتداخل الثقافات، هذا الواقع الذي فرضَ حالةً من التشابك والتنوُّع ومزيداً من المؤثرات اللا متناهية، وبالتالي تغيّر الأولويات وتنوع الثقافات حتى في المجتمعات الإسلامية، وفوق هذا وذاك مستوىً متقدماً من العلم والفهم والثقافة لدى الناس عموماً، وبالتالي فإن الأفهام والعقول لم تعد كما كانت قبل قرون ولا حتى قبل عقودٍ من الآن.
إن هذه المعطيات تفرض على المتصدّين للخطاب الإسلامي بشقيه الدعوي والسياسي حتمية تطوير خطابهم للجمهور العام ليكون أكثر إقناعاً .. وألصقَ بواقعهم وأشدّ تأثيراً في القلوب والعقول، وليتحرّر من عقدة التحليق في الفضاءات الماضية والعصور السالفة، فما كان يصلح للماضي من لغةٍ وقصص وأمثلة ،، قد لا يصلح كلّه اليوم، بل لا بد من مُواكبة العصر وتطوّر الأفهام ،، ولكن في إطارٍ عام من الثوابت الدينية والثقافية للفكر الإسلامي الذي أثبت مرونةً مذهلة في التعاطي مع كل الأزمان والأجيال .. كيف لا وهو رسالة الله تعالى الخاتمة للبشرية جمعاء.
لكن المشكلة لا تكمن في الخطاب الإسلامي بقدر ما تتمحور في المشتغلين والمتصدّين لهذا الخطاب. إن التطوير المنشود هو الذي يجمع بين:
- الإيمان .. والعلم
- العقل .. والقلب
- الحداثة.. والأصالة
- الثوابت .. والمتغيرات
- الرسوخ .. والمرونة
- الانتماء للأصل.. والاحترام للآخر
نعم،، تطويرُ خطابنا الإسلامي بحيث يُخاطب كلَّ العقول والأفهام باختلاف مشاربها ومرجعياتها وأطيافها، تطويرُه بحيث يتجاوز مسألة المواقف الحدّية بين إسلامٍ و كفر أو أبيضَ وأسود، وأن طيف الألوان واسع، تطويره بحيث يبتعد عن لهجة التخوين والتكفير للآخر والمُخالف، تطويره بما يُعايش واقعَ الناس والمجتمعات، تطويره بما يُزيل حالة التشنّج الحاصلة لشرائح وأطياف واسعة من المجتمعات من كل ما هو إسلامي.
كما أنه لا ينبغي أبداً إلباس كل موقف أو اجتهاد سياسي "لباس الدين"، بمعنى أنه يجب أن يظل اجتهاداً سياسياً تحكمه الظروف والإمكانات وليس فتوىً دينية .. حتى لا نصطدم بضرورة تغييرها عند تغير الظروف والأحوال من جهة، ومن جهة أخرى لنزيل التوتر الحاصل عند الكثيرين من كل ما هو إسلامي خشية أن يتحكم علماء الدين في أمورهم وليس رجال السياسة الذين يختارونهم ويحاسبونهم ولا تفصلهم عنهم حواجز أو مراتب دينية !!.
إننا وبكل أسف قد نساعد أعداء الفكرة الإسلامية وخصومها -دون قصد- في تنفير وصدّ الناس عنها .. من خلال خطابنا الديني والدعوي المشوّه، وإخراج أي موقف سياسي كفتوىً دينية مُلزمة، وحديثنا الذي يبقى أحياناً في وادٍ وواقعُ الناس في وادٍ آخر، وألفاظنا ومصطلحاتنا البعيدة عن فهم عوامّ الناس ونحن أصلاً مأمورون بأن نخاطب الناس على قدر عقولهم.
بكلمة، نحن بحاجة للخطاب الذي يُطمئن الناس ويُقنعهم، للخطاب الذي يلج صميم حياة الناس ولا ينفّرهم، الخطاب الذي يتلمّس واقع الناس ومشاكلهم وهمومهم، الخطاب الذي ينتقل من مرحلة الشعارات العامة و"الإسلام هو الحل" إلى تفاصيل الحياة وجزئياتها والبرامج العملية والواقعية لتغيير واقع الناس إلى الأفضل.
تعليقات الفيسبوك