الوعي السياسي

إسلاميو تونس والمغرب: أسباب الهزيمة والدروس المستفادة

بقلم: أ. سعيد زياد عبد المنعم

إنّ عبارة (الإسلام هو الحل) كانت ولا زالت منذ عهد الإمام حسن البنّا شعارًا يتردّد في أوساط أبناء الإخوان، البعض قرأها باعتبارها مشروع الجماعة السّياسي، وآخرون قرؤوها باعتبارها شعارًا للتّعبئة والتّجييش لا أكثر، لكنّها في حقيقتها عنوانٌ لما أرادت الجماعة من رؤيةٍ إصلاحيّةٍ للأسرة والمجتمع ومن بعدهما نظام الحكم، ولو أنّ الإخوان لم يُقصّروا في استكمال بناء هذه الرّؤيّة وإنضاجها، وصولًا لنظام حكمٍ إسلاميٍّ واضح واستراتيجية سياسية صلبة، ترسم معالم الطّريق لمشروعهم السّياسي، لاختلفت الأحوال والمآلات، لكنّ الأفكار الَّتي بدأها مؤسّس الجماعة لم ترقَ لأنْ تكون نظامًا، حتَّى فكرة الاقتصاد الإسلامي لم ترَ النّور رغم الجدل الواسع والكلام الكثير حولها، بالتّالي لم يكن الطّريق ممهّدًا أمام فكرة (الدّولة) وماهيّتها.

كانت آخر هزائم الإسلاميين في كلّ من تونس والمغرب، حيث جاءت متزامنة يفصل بينهما أقلّ من ثلاثة أشهر فقط، ولعلّ التجربتين تتقاطعان في كثير من الأمور، سواءً على صعيد التكوين التنظيمي أو النمط القيادي أو حتى على صعيد الأزمات التي عصفت بها، وعليه يمكن قراءتهما ضمن خيارين: الأول هو خيار المؤامرة، وأنّ هناك أمراً دُبّر بليل، والخيار الثاني هو خيار القراءة المتأنية النقدية الموضوعية، حتى نستخلص الدروس المستفادة من هذه الهزيمة، وهو ما سنركز عليه في مقالنا هذا بإذن الله، وعليه سيكون هذا المقال مقالاً نقديّاً مقتضباً لهاتين التجربتين استندت فيه إلى أفكار وآراء د. محمد المختار الشنقيطي و د. هبة رؤوف عزت و د. احميدة النيفر وغيرهم من المختصين في شؤون الإسلام السياسي.

أولاً: الأزمات التي تسببت بالهزيمة

  1. التخلي عن الأصالة بحجة المرونة السياسية: وهذا شهدناه في تأييد حزب العدالة والتنمية المغربي للتطبيع مع إسرائيل وتشريع القنّب الهندي وتسويغ التعليم الفرنسي على حساب التعليم العربي وغيرها من الأمور التي تخلت بها عن أصالتها بحجة المرونة السياسية مما ساهم بشكل كبير في خسارة الأحزاب الإسلامية للقاعدة الشعبية خاصة وأنها وجدت مواقف صادمة من هذه الأحزاب خالفت انتظاراتها وتوقعاتها منها.
  2. الوقوع في فخ الاحتواء: هناك نوعان من السياسة تتبعها الأنظمة الغربية ضد الإسلاميين، ولو فهمنا النظام المتبع ضد كل حزب سياسي إسلامي لتغيرت المآلات، والنوعان هما: سياسة الاستئصال (مصر) وسياسة الاحتواء (المغرب وتونس والجزائر)، وقد وقع إخوان تونس والمغرب في سياسة الاحتواء، وسارع في وقوعهم فيها اتباعهم لاستراتيجية الحد الأدنى وتخليهم عن الأصالة بحجة المرونة السياسية.
  3. استراتيجية الحد الأدنى: وقع الإسلاميون في المغرب العربي في فخ هذه الاستراتيجية، حيث كانوا واقعيين أكثر من اللازم، طيّعين أكثر من اللازم، خاضعين لمعادلات الزمان والمكان والإمكان أكثر من اللازم، وذلك بسبب خشيتهم من الوقوع في فخ استراتيجية الحد الأقصى أو الصدام مع النظام القائم في توقيت خاطئ.
  4. ضعف الحاسة السياسية والاستراتيجية عند القيادة السياسية: وهذا يتضح في النقص الحاد الذي تعانيه هذه القيادة في فهمهم للجغرافيا السياسية والاقتصاد والشؤون الدولية وغيرها من الأركان المهمة في علم السياسة وممارستها، وهو ما انعكس على المسارات التي سلكتها هذه القيادة، سواء على صعيد التكيف بدون استراتيجية، أو المواجهة بدون استراتيجية.
  5. أزمة القيادة: عانى كلٌّ من التنظيمين من مستوى من التصلّب في البناء القيادي وعدم مرونة في سلم الصعود والنزول القيادي بدون انقطاع، وهذا ما شهدناه في تربّع الغنوشي على عرش حزب النهضة خمسين عاماً متصلة.
  6. أزمة الكاريزما: إنّ تخلّي القيادة السياسية عن بعض القيادات الشعبية والجماهيري ذات الكاريزما العالية تسببت بنحت الكاريزما التنظيمية، وهذا ما عكسه غياب عبد الإله بن كيران عن المشهد السياسي المغربي.
  7. أزمة المشيخة: لم تكن عقلية القيادة السياسية مواكبة للتحديث الذي فرضته الظروف ومقتضيات الحال، بل تمسكت بنظام المشيخة الذي نجح في تأسيس التنظيم في أول أمره عندما أسسه حسن البنا رحمه الله، ظنّاً منها أن ما كان يجدي في زمن التنظيم يجدي في زمن الدولة، كما يضاف إلى هذه الأزمة إهمال الإسلاميين العلوم الاجتماعيّة والانشغال بالعلوم الفقهيّة مما سبّب زعزعةً كبيرةً في الفكر والممارسة السِّياسيَّة عندهم، فكثيرًا ما تجدهم قرؤوا لابن تيمية وأخذوا عنه، لكنْ قلّما تجد أحدًا قرأ لابن خلدون وسبر أغوار نظريّاته، فإذا نظرنا في أوساط الإسلاميين لا نكاد نجد عالم اجتماعٍ أو عالم سياسةٍ يطرح فكرًا تجديديًا، وقد أفضى هذا إلى قولبة العقل الإسلامي ضمن حدود الوصف والنقل والتّبعيّة للسّلف لا التّجديد والاجتهاد.
  8. أزمة النقاء والأداء: لقد مارس الإسلاميون السياسة في البداية بمنطق بسيط قائم على الهوية والنقاء، لكن ما شهدناه في السنوات الأخيرة هو تخلٍّ عن النقاء وفشل ذريع في الأداء.

ثانياً: الدروس المستفادة من الهزيمة

  1. إنشاء مرجعية فكرية: وهذا مطلب مهم وحاجة ملحة بالنظر إلى واقع الحال وانتقال الإسلاميين من موقع الخطاب إلى موقع الأداء بدون تغيير حقيقي في البنية والعقلية التنظيمية، ولعل أهم ما تقدمه هذه المرجعية هو:
  • بناء استراتيجية ورؤية سياسية واضحة تسد العجز الموجود عند القيادة السياسية المشغولة في إدارة تفاصيل العمل الميداني اليومي وحل الأزمات.
  • زيادة الإنتاج الفكري الذي يمكن من تحقيق قراءة نقدية ومراجعة فكرية دورية.
  • صناعة نخبة تفكر بالمستقبل وتسلك مسار إدارة الدولة بشكل مختلف عن القيادة التاريخية.
  1. شحذ الحاسة الاستراتيجية، وبناء ثقافة سياسية جديدة واعية بمعادلات القوة، وأن السياسة مواقف وموازين قوة لا مواعظ.
  2. التحوّل من تفضيل العلوم الشّرعيّة إلى تفضيل علوم الاجتماع والألسنة وبناء الإنسان، وتأسيس مسارٍ تجديديٍّ للمعرفة، خاصّةً في مجال الفكر السِّياسي والعلوم الاجتماعيّة؛ وذلك لتقليص الهوّة الواسعة بين هذه العلوم والعلوم الفقهيّة مثلًا.
  3. تفكيك الجدار الفاصل بين الفكر السِّياسي الإسلامي وبقيّة الرّؤى والأفكار للتّيّارات والفلسفات الأخرى، كالتّيّار الماركسي مثلًا، فالنّقد الاشتراكي للرّأسماليّة يقترب كثيرًا من الفكرة الإسلاميَّة، وفيه رؤيةٌ مساندةٌ لها لا مضادّة.
  4. تفعيل آليّات النّقد الذّاتي والموضوعي والحوار مع الآخر، والانفتاح نحوه، والتّخلّص من رهاب الذّوبان، وتخفيف حدّة الفزع من أيّ مخالفٍ ناقد، واعتبارها حالةً صحّيّةً لا نزعةً شيطانيّة..

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

تعليقات الفيسبوك

كن معنا في نشر الوعي

"وتتعمّد منهجيتنا التربوية تربية صفوة كبيرة الحجم من الدعاة تتكون منها قاعدة صلبة للعمل الدعوي وتحمل أثقاله، وتصبر على طول الطريق، وتتكون منها الطبقة القيادية، ثم نحاول صناعة طبقة واسعة من الموالين للدعوة". 11

كن معنا