روشتة الفشل القيادي (1)
عبد الله يوسف
رئيس مؤسسة عبير الوعي – قطاع غزة
القائد يبحثُ دوماً عن نجاحه، ويسلك طرقَ من نجحت قيادتهم، فيدرس سيرتهم، ويحاول أن يقف على علامات النجاح والفشل، وهنا في هذه السلسلة من مقالات "روشتة الفشل القيادي" سنحاول أن نضع أبرز الأساليب والسلوكيات التي لو اتبعها القائد فإنه بلا شك سيُحقق فشلاً ذريعًا، ولن يكون قريباً من فرصة نجاحٍ واحدة، إنها روشتات الضربة القاضية، والانهيار السريع، وفقدان الثقة!
نذكرها هنا، سالكين مذهب الصحابي الجليل حذيفة بين اليمان t الذي قال: "كان الناسُ يسألون رسول الله r عن الخير، وكنتُ أسألُهُ عن الشرّ مخافة أن يدركني". فها نحن كفيناك مؤونة السؤال عن شر أساليب القيادة ونضعها بين يديك لئلا تدركك فترديك أرضاً وفشلاً وهزيمةً!..
أولاً: السعي إلى تحقيق الانتصار بأي ثمن
أجْهِد قواتك، عاملهم بقسوة، تلفظ لهم بأبشع مفردات السوء، ارفع صوتك، اصرخ، ثم اصرخ.. ثم هدّدهم في مرتبهم، أو تنزيل رتبتهم، وعاقبهم.. فهؤلاء ليسوا إلا مجرد موظفين، عبيداً للرواتب، ما عليهم إلا أن ينجزوا الأعمال تحت أي ظرفٍ كان، ولا مجال للأنسنةِ والعاطفة، وعبارات الحبّ والثناء.
المهمُ عندي تحقيق الأهداف، وتسجيل النقاط، وتعزيز مكانتي لدى المستوى الأعلى، ولا يهُمّني رضا العاملين، أرضوا أم سخطوا؟، فما هم إلا آلاتٍ تعمل، وأذرع تتحرك، وأنفاسهم بُخارٌ لتشغيل الأجهزة والماكنات!
هذه وصفة رائعة ومجربة لمن أراد أن يحقق الانتصار الموهوم بأي ثمن، حتى وإن كان الثمن قصم ظهور الرجال، ففي الحديث الشريف: "إن المنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى".
ربما يحققُ القائدُ الهدف لمراتٍ عديدة؛ لكنه لن يستطيع أن يكسب على المدى البعيد، ولا يمكن أن يسجل نقاط فخرٍ وعزٍ في صفحات القادة المؤثرين.
ثانياً: إضافة أفكار هامشية
لماذا أضيفُ جديداً؟ بل لماذا أُجهد عقلي في ابتكار أفكار برّاقة وحيوية؟ .. سأبقى كما أنا، لا أتغيرُ ولا أتبدل، لا أزيد ولا أنقص، سأكون كما أنا لا ينضح عقلي إلا بالأفكار القديمة الهشّة، والمقترحات القديمة البالية، وعلى ما تعلمته من سنواتٍ خلت، لا أبدعُ في شيء ولا أتميز بآخر، إنما أنا ماكنة تتقن إعادة ما تلقنتهُ وسمعته من مدرسينا، ومشايخنا، وقادتنا من عشرات السنين!
فليس المهم عندي أن أكونُ لمّاحاً ألتقط الفكرة وأُخمرها في عقلي لتخرجَ فكرةً جديدة من بنات أفكاري، فيعرفني الناس بذلك، ويعرفني المستوى الأعلى بهذا، فأصبح بعد ذلك عضواً دائماً في لجان العمل، ووضع الأفكار، وتطوير الأداء.
إن طرح الأفكار الجديدة، والمقترحات التي ترفع الأداء، وتزيد من الإنتاجية ماهي إلا من مهام القائد القوي، عاليَ الهمّة، الذي يعرف وجهته وبوصلته، ولا يمكن لهذا القائد التغييريّ أن يرضى بأن يكون هامشياً، أو يطرح أفكارًا عفى عليها الزمنُ وشرب!
فإذا أردت أن تبقى نائياً، تمشي في الحائط وداخله، ولا يُشار لك بالبنان في مواضع الخير والنزال، والإعداد والتخطيط، وطرح الأفكار البنّاءة: فتشبّث بأفكارك الهامشية، ودافع عنها، واطرحها في كل محفل واجتماع واحتفال .. وسأضمن لك أن تظل متأخراً، وفاشلاً بأثرٍ رجعي!
ثالثاً: إطلاق الأحكام
أسء الظنّ في الآخرين، ولا تثق بهم، انعتهم بكافة الأوصاف، تسرّع في إطلاق الأحكام عليهم، وتثبيت التُّهم بحقهم، لا تلتمس لهم الأعذار، ولا تتثبّت من أقوالهم وأفعالهم، وتصرف بسرعة الريح حيالهم، فلا تطلب توضيحاً منهم ولا تبريراً، ولا تدع لهم فرصة لشرح أحوالهم، وظروف معيشتهم، وما أصابهم من خطر في تأدية أعمالهم ومهامهم.
أطلق حكمك بسرعة، ولا تسمع لقولهم، ولا تنصت ولهم وتسمع، فأنت قائد لا يخيب ظنك، وترى ما لا يراه غيرك، فدونك التقارير والخطط والمعلومات وإسناد المستوى الأعلى لك، فكيف تخطئ؟ وكيف لا تطلق الأحكام حدساً وتقديراً تظنه صائباً في كل الأحوال؟!.
أطلق حكمك واضرب بعرض الحائط وصية ابن سيرين لك: "إذا بلغك عن أخي شيء فالتمس له عذراً، فإن لم تجد فقل: لعل له عذراً لا أعرفه".
وإذا أردت – أيها القائد – أن يعرفك أتباعك بأنك متسرعٌ ومتخبطٌ، وغير دقيق، وليس لك في ميزان الرجال حسبٌ ولا نسب، ولا يهمك مشاعرهم ولا مستقبل مؤسستك، فخذ بهذه الوصية، ولا تتباطأ، وأبشرك بألاّ يبقى تابعاً واحداً يعمل معك!.
رابعاً: إطلاق التعليقات الهدامة
كن كالذبابة لا تقع إلا على الجرح، لا ترى إلا السواد، ولا يثير انتباهك إلا خطأ صغير هنا وهفوةٍ هناك، لا تعير اقتراحات أتباعك اهتماماً، ولا تُلقي لها بالاً، ومزقها في وجوههم إن أتوك فرحين بها، مستبشرين باستقبالك إياها بحفاوة!
أطلق تعليقاتك الهدّامة، واقبر مقترحات المرؤوسين في مهدها، لا تدعها ترى النور، ولا تجعل أصحابها ينثرون عبيرها في الأرجاء، اقتلها وامنع عنها الهواء والماء وكل سبيلٍ للحياة!
ادخل على مواقع التواصل: اشتم هذا، وسُبّ ذاك، وشكّك في نوايا الثالث، واتّهم هؤلاء بالتبعية للخصوم، وفصّل التهم على المقاس، المهم لا تدع أي فكرة إيجابية تنمو، أو مقترحٍ بنّاء يعلو، أو شبابٍ يطمح للعلا أن يسمو!
أطلق تعليقاتك الهدّامة، ولن تجد من يحترمك، أو يقدّرك، أو حتى يضعك في المكانة الموسومة لك، وسيزهد الأتباع في إبداء رأيهم خوفاً من تعليقاتك السخيفة المعيبة.
خامساً: بدء الحديث بكلمة "لا" أو "لكن"
إيّاك أن تكون "نعمُك" أكثر من "لاؤك"؛ فإن هذا لعمري هو ضعف القائد، وعلامة انجرارٍ لأتباعك، ودليلٌ واضح على قحط عقلك ولجم أفكارك، بل هو برهانٌ على أنك تابع ولست بقائد!.
واجه من تعمل معهم بقولك "لا"، لا تجعلهم يهنئون من ثغرك بكلمة "نعم"، ولا تدع لهم الفرصة بأن يروك في أحلامهم وأنت تتلفظُ لهم بقول "نعم"، فالقائد يجب أن يُعرف "بلائه"، ولا مجال له أن تكون لاءاته نعم!
ابدأ حديثك دائماً بكلمة "لا"، وأوصد في وجوه أتباعك إمكانية الحديث والنقاش وإبداء الرأي والمشورة، فليس ما يقولونه صحيح، وليس له بالمنطق صلة وقرابة.
قولك "لا" دليل على أنك الأفهم، والأوسع علماً وخبرةُ وتجربة، فلا تنسى أن تجعلها على حرف لسانك دوماً؛ لتخرج من فيك بسرعةٍ دون عوائقَ أو فرامل!.
وأضف – كذلك – إلى قاموسك كلمة "ولكن"، إذ لا يمكن أن يقترح أحدهم اقتراحاً مكتمل البنيان، حاوياً كل شيء، ومحيطاً به من جميع جوانبه، بل يجب عليك أن تتدخل بقوة، وتشن هجوماً شرساً وتنسف ما يطرحه، وتفغر فاك بأعلى صوتك "ولكن" ..
حينها سينصت الناسُ لك، ويسمعون كلامك، "ولكن" .. ستكون حاضرةً في المشهد بقوة أنك: لا أريكم إلا ما أرى!.
الأحد 22/11/2020م
تعليقات الفيسبوك