سُبحان ... ناطر الغافلين
سُبحان ... ناطر الغافلين
تحليل استراتيجي من محمد أحمد الراشد
حين وردت أنباء التفاهم الاستراتيجي الأولي بين الصين وايران: استولى على نفسي خوف عظيم من أن الحكم الصفوي الابتداعي حقق تفوقا كاسحا على البلاد العربية وتركيا معا، وأنه يملك قيادة سياسية ذكية ضربت ضربة معلم ونجحت في خطتها البعيدة المدى، ولا اخفي أني حزنت وتألمت حتى أني أضربت عن إجابة المكالمات الهاتفية، بسبب رؤيه ظلامية استبدت بي وعصرت قلبي، وزادها حلكا مكر اميركا في اليمن وحرصها على تسليمه للحوثي وايران.
ولكن بعد يومين من التأمل والتفكير في القضية: تبدلت قناعتي، وصرت أفهم أن الله تعالى ختم على قلوب ساسة إيران وقادة الحرس الثوري، فورطهم في مأزق كبير، وحرسنا من كيدهم بعد أن بلغ ضعفنا مبلغا عظيما، كذلك يريد سبحانه حراسة مستقبل تركيا من الهجمة الصفوية، ولا استطيع الشرح الطويل، بسبب صحتي، ولكني أنبه باختصار الى معالم القضية.
خلاصة القضية: أن إيران تظن أن نجاتها تكون بتبديل الولاء، وأنها تترك أميركا التي رعتها سابقاً، وتحاول الآن موالاة الصين، عسى ولعل ذلك يوفر حماية لها، والعامل المحرك لها هو قرار أميركا بمنعها من امتلاك السلاح النووي بعد أن وعده الرئيس أوباما به، وكأن إيران لا تفهم سبب التحول في الموقف الأمريكي، وأنه يعود إلى توفير أمن إسرائيل، وايضا الى حماية تركيا من المطالبة بحقها في امتلاك سلاح نووي إذا امتلكته إيران.
وأظن أن الرئيس بايدن أبلغ إيران باستحالة موافقته على صنع إيران لقنبلتها النووية، فأصابها اليأس، وتحت وطأة هذا اليأس سارعت إلى رمي نفسها في حضن الصين من دون دراسة وافية، بسبب سكرتها وغرامها بالقنبلة النووية الوشيكة، وجاء موقفها مسلوقا ومرتجلا، ومن هنا حصل الغلط في الحسابات.
ذلك أن بايدن هو صاحب نظرية التجزيء للعالم الإسلامي، المرتبطة بنظرية إسناد اميركا للتشيع وترجيحه على الوجود السني المتهم بالجهاد والإرهاب،
ذلك أن بايدن هو صاحب نظرية التجزيء للعالم الإسلامي، المرتبطة بنظرية إسناد اميركا للتشيع وترجيحه على الوجود السني المتهم بالجهاد والإرهاب، وبايدن هو صاحب فكرة الاتفاق النووي الاول مع إيران منذ كان نائبا لأوباما، وهو اليوم يريد إحياء الاتفاق النووي، ولكن بشرط ضمان أمن إسرائيل، ثم يملك بايدن خطة مذ جرى ترشحه للرئاسة، كثر حديث مراكز البحوث عنها، خلاصتها: تقسيم مملكة آل سعود الى ثلاثة أقسام أو أكثر، وحصرهم في نجد فقط، واستقلال الحجاز عنهم، لتسهيل الاحتلال الحوثي له، واستقلال المنطقة الشرقية الغنية بالبترول، وتأسيس حكم شيعي فيها يكون غنيا بالنفط، وجعل ايران متحكمة بهذه الدولة الوليدة الشيعية، كمثل تحكمها بالعراق، ثم في فرصة ثانية: دفع إيران لاحتلال الكويت وإلحاقها هي ونفطها بهذه الدولة الشيعية، لمضاعفة شرائها، ثم إلحاق البحرين بها أيضاً، وفي فرصة لاحقة ضم قطر ونفطها وغازها وصناعتها المعدنية بها، وبذلك تكون هذه الدولة الشيعية اغنى دولة عربية، بما يعادل ضعف ثروة مملكة آل سعود، وتقدم أميركا التسهيلات لهذه الدولة الثرية لنشر التشيع في العالم الإسلامي، وضرب أهل السنة ضربة قاصمة، والدعوة الاسلامية فيه على الأخص، وقمع كل الانفاس الجهادية، وفي مرحلة لاحقة يحتل الحوثي الحجاز ويحكم الحرمين.
هذا هو توجه بايدن، بل هي خطة أعدتها له مراكز البحوث الأمريكية، وهو حريص على تنفيذها خلال مدة رئاسته، ولكنه مريض اولا و يريد راحة من تعب الانتخابات، ويريد ضمان أمن إسرائيل، بينما إيران مستعجلة، وتريد وقتا للتمهيد لتوقيع صلح ومعاهدة سلام مع إسرائيل، بعد اذ زعمت 40 سنه انها عدوة لاسرائيل.
وبهذا نفهم أن اميركا بايدن تريد أن تخدم ايران والتشيع عموما خدمة كبرى لا يأتي من الصين وفق تفاهمها الجديد غير جزء يسير، لكن إيران مستعجلة، ونسيت وعود بايدن لها عبر اللوبي الإيراني في أمريكا، وفي لحظة انفعال وغفلة: تحولت الى الصين، ولو كانت صبرت قليلا لنفذ بايدن خططه في تقسيم مملكة آل سعود وبناء الدولة الشيعية الكبرى الثرية، و تلك هي قاصمة الظهر لإيران بحول الله تعالى.
كنا نرتجف خوفا من دولة بايدن الشيعية في شرق مملكة آل سعود، وحملنا هموما عظيمة تزداد بسبب أن آل سعود يخربون ملكهم بأيديهم، وكنت اقول لنفسي وفي دروسي لاخوتي الدعاة: ما هي الا سنة واحدة يتفرغ فيها بايدن لقضاياه الجانبية الصغيرة، ثم يتوجه لتقسيم مملكة آل سعود، ويعاونه الجنرال أنور عشقي رئيس الدولة العميقة السعودية ومعاونه الأمير بندر بن سلطان، وأن الخطب فادح، ونحن مغلوبون لا محالة، وستضرب إيران وتركيا وأردوغان من الخلف وتقطع أمانينا العثمانية، وتبدلت أمزجتنا، بل اثّاقلنا إلى الأرض وما عاد لنا امل، وفجأة نكتشف أن الله هو حارس الغافلين المستضعفين، وهو ناطورهم، وأنه قذف في قلوب ساسة ايران تبديل الولاء الى الصين، لينقذنا من خطة بايدن، اللهم إلا أن تصدق فراستنا في وجود دولة سرية عالمية هي صاحبة القرار الاعلى، وأن قرار الدولة الشيعية الخليجية الكبرى هو قرارها وليس قرار بايدن، ومعنى ذلك: أنها سوف تأمر الصين بتنفيذ خطة بايدن، وهذا عندي ظن بعيد.
ليس ان الله تعالى صرف عنا قدر السوء البايدني فقط، بل أن ايران من خلال مراقبتي لها كانت تعد عدتها لضرب أردوغان وتركيا عسكرياً يوما من الايام، ولو عن طريق مساعدة الحركة الكردية القومية المسلحة، حتى ولو انفصل بذلك أكراد إيران عنها، وهناك خبر يتناقله المثقفون والتيار الإصلاحي الإيراني مفاده أن بايدن مذ كان نائبا اتفق مع ايران على تمكين القسم الايراني من كردستان الكبرى من الاستقلال والانضمام للدولة الكردية مقابل تمكين إيران من ضم إقليم هيرات الأفغاني لها كتعويض، واليوم بالتحالف مع الصين: سوف تمنع الصين هذه الجهالة الايرانية المتوقعة في ضرب أردوغان، لأن مصالح الصين في تركيا اساسية ايضا، وهي تريد تقوية أردوغان ليقف في وجه أوروبا حليفة امريكا، وهكذا فإن القدر الرباني في دفع إيران إلى أحضان الصين لا ينقذ القضية الإسلامية فقط من مخطط بايدن لتكوين دوله شيعية قوية، بل ينقذ أردوغان من الكيد الصفوي.
*والخلاصة: أنا أتأول حلف إيران والصين تأولا خيريا بعد أن توهمت فيه الشر.
تعليقات الفيسبوك